الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
بسم الله الرحمن الرحيم مسألة: فتنة الموتى في قبورهم سبعة أيام أوردها غير واحد من الأئمة في كتبهم فأخرجها الإمام أحمد بن حنبل في كتاب الزهد والحافظ أبو نعيم الاصبهاني في كتاب الحلية بالإسناد إلى طاووس أحد أئمة التابعين. وأخرجها ابن جريج في مصنفه بالإسناد إلى عبيد بن عمير وهو أكبر من طاووس في التابعين بل قيل أنه صحابي وعزاها الحافظ زين الدين بن رجب في كتاب أهوال القبور إلى مجاهد وعبيد بن عمير فحكم هذه الروايات الثلاث حكم المراسيل المرفوعة على ما يأتي تقريره وفي رواية عبيد بن عمير زيادة أن المنافق يفتن أربعين صباحا. وهذه الرواية بهذه الزيادة أوردها الحافظ أبو عمر بن عبد البر في التمهيد والإمام أبو علي الحسين بن رشيق المالكي في شرح الموطأ وحكاه الإمام أبو زيد عبد الرحمن الجزولي من المالكية في الشرح الكبير على رسالة الإمام أبي محمد بن أبي زيد والإمام أبو القاسم بن عيسى بن ناجي من المالكية في شرح الرسالة أيضا وأورد الرواية الأولى والشيخ كمال الدين الدميري من الشافعية في حياة الحيوان وحافظ العصر أبو الفضل بن حجر في المطالب العالية.
ذكر الرواية المسندة عن طاووس قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في كتاب الزهد له حدثنا هاشم بن القاسم قال ثنا الاشجعي عن سفيان قال قال طاووس إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون أن يطعموا عنهم تلك الأيام. قال الحافظ أبو نعيم في الحلية حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا أبي ثنا هاشم بن القاسم ثنا الأشجعي عن سفيان قال قال طاووس إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام. (ذكر الرواية المسندة عن عبيد بن عمير): قال ابن جريج في مصنفه عن الحارث ابن أبي الحارث عن عبيد بن عمير قال يفتن رجلان مؤمن ومنافق فأما المؤمن فيفتن سبعا. وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا. الكلام على هذا من وجوه: "الوجه الأول" رجال الإسناد الأول رجال الصحيح وطاووس من كبار التابعين قال أبو نعيم في الحلية هو أول الطبقة من أهل اليمن، وروى أبو نعيم عنه أنه قال أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى غيره عنه قال أدركت سبعين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد كان له يوم مات بضع وتسعون سنة وسفيان هو الثوري وقد أدرك طاووسا فإن وفاة طاووس سنة بضع عشرة ومائة في أحد الأقوال. ومولد سفيان سنة سبع وتسعين إلا أن أكثر روايته عنه بواسطة والأشجعي اسمه عبيد الله بين عبيد الرحمن ويقال ابن عبد الرحمن. وأما الإسناد الثاني فعبيد بن عمير هو الليثي قاص أهل مكة. قال مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح إنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون صحابيا وكان يقص بمكة على عهد عمر بن الخطاب وهو أول من قص بها. وكانت وفاته قبل وفاة ابن عمر. وأما الحارث فهو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذياب الدوسي روى له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم في صحيحه. وروى عنه ابن جريج والدراوردي وغيرهما، وأما ابن جريج فهو الإمام عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي قال أحمد بن حنبل هو أول من صنف الكتب. وقال ابن عيينة سمعت ابن جريج يقول ما دوّن العلم تدويني أحد روى عن خلق من التابعين ومات سنة تسع وأربعين ومائة وقد جاوز المائة. (الوجه الثاني): المقرر في فن الحديث والأصول أن ما روى مما لا مجال للرأي فيه كأمور البرزخ والآخرة فإن حكمه الرفع لا الوقف وإن لم يصرح الراوي بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال العراقي في الألفية: وما أتى عن صاحب بحيث لا * يقال رأيا حكمه الرفع على ما قال في المحصول نحو من أتى * فالحاكم الرفع لهذا ثبتا وقال في شرحها ما جاء عن صحابي موقوفا عليه ومثله لا يقال من قبل الرأي حكمه حكم المرفوع كما قال الإمام فخر الدين في المحصول فقال إذا قال الصحابي قولا ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع تحسينا للظن به كقول ابن مسعود من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ترجم عليه الحاكم في علوم الحديث معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ومثال ذلك فذكر ثلاثة أحاديث هذا أحدها، وما قاله في المحصول موجود في كلام غير واحد من الأئمة كابي عمر بن عبد البر وغيره وقد أدخل ابن عبد البر في كتابه التقصي عدة أحاديث ذكرها مالك في الموطأ موقوفة مع أن موضوع الكتاب لما في الموطأ من الأحاديث المرفوعة منها حديث سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف، وقال في التمهيد هذا الحديث موقوف على سهل في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك قال ومثله لا يقال من جهة الرأي انتهى كلام العراقي في شرح الألفية. وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر في شرح النخبة: مثال المرفوع من القول حكما ما يقوله الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا تعلق له ببيان لغة أو شرح غريب كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة وكذا الأخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص قال وإنما كان له حكم المرفوع لأن إخباره بذلك يقتضي مخبرا له وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفا للقائل به ولا موقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، مثال المرفوع من الفعل حكما أن يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد فيه فينزل على أن ذلك عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في صلاة علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين انتهى كلام شرح النخبة. وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح ما قاله الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه فحكمه الرفع كالأخبار عن الأمور ا لماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع. قال أبو عمرو الداني قد يحكى الصحابي قولا يوقفه فيخرجه أهل الحديث في المسند لامتناع أن يكون الصحابي ما قاله إلا بتوقف كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة - الحديث، لأن مثل هذا لا يقال بالرأي فيكون من جملة المسند. قال الحافظ ابن حجر وهذا هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصاحبي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر الطبري وأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر بن مردويه في تفسيره للسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين، قال وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أنه مسند وبذلك جزم الحاكم في علوم الحديث والإمام فخر الدين في المحصول انتهى. وعبارة المحصول إذا قال الصحابي قولا لا مجال للاجتهاد فيه حمل على السماع لأنه إذا لم يكن من محل الاجتهاد فلا طريق إلا السماع من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي ما رواه المصنف عن عمر بن الخطاب أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك هو وإن كان موقوفا عليه فمثله لا يقال من قبل الرأي وإنما هو أمر توقيفي فحكمه حكم المرفوع كما صرح به جماعة من الأئمة وأهل الحديث والأصول فمن الأئمة الشافعي رضي الله عنه ونص عليه في بعض كتبه كما نقل عنه ومن أهل الحديث أبو عمر بن عبد البر فأدخل في كتاب التقصي أحاديث من أقوال الصحابة مع أن موضوع كتابه للأحاديث المرفوعة من ذلك حديث سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف. وقال في التمهيد هذا الحديث. موقوف على سهل في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك ومثله لا يقال من جهة الرأي وكذلك فعل الحاكم أبو عبد الله في كتابه في علوم الحديث فقال في النوع السادس من معرفة الحديث معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم روى فيه ثلاثة أحاديث: قول ابن عباس كنا نتمضمض من اللبن ولا تتوضأ منه. وقول أنس كان يقال في أيام العشر كل يوم ألف يوم ويوم عرفة عشرة آلاف يوم قال يعني في الفضل. وقول عبد الله بن مسعود من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. قال فهذا وأشباهه إذا قاله الصحابي فهو حديث مسند وكل ذلك مخرج في المسانيد. ومن الأصوليين الإمام فخر الدين الرازي فقال في كتابه المحصول إذا قال الصحابي قولا ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع. وقال القاضي أبو بكر بن العربي عقب ذكره لقول عمرو مثل هذا إذا قاله عمر لا يكون إلا توقيفا لأنه لا يدرك بنظر انتهى. هذا كله إذا صدر ذلك من الصحابي فيكون مرفوعا متصلا فإن صدر ذلك من التابعي فهو مرفوع مرسل كما ذكر ابن الصلاح ذلك في نظير المسألة وصرح به البيهقي في هذه المسألة بخصوصها فإنه أخرج في شعب الإيمان بسنده عن أبي قلابة قال في الجنة قصر لصوام رجب ثم قال هذا القول عن أبي قلابة وهو من التابعين فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ ممن فوقه عمن يأتيه الوحي. وأخرج البيهقي أيضا في شعب الإيمان بسنده عن أبي قلابة قال من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ومن قرأ الكهف في يوم الجمعة حفظ من الجمعة إلى الجمعة وإن أدرك الدجال لم يضره وجاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر. ومن قرأ يس غفر له ومن قرأها وهو جائع شبع ومن قرأها وهو ضال هدى ومن قرأها وله ضالة وجدها ومن قرأها عند طعام خاف قلته كفاه ومن قرأها عند ميت هون عليه ومن قرأها عند والدة عسر عليها ولدها يسر عليها ومن قرأها فكأنما قرأ القرآن إحدى عشرة مرة ولكل شيء قلب وقلب القرآن يس. ثم قال عقبه هكذا نقل إلينا عن أبي قلابة وهو من كبار التابعين ولا نقول ذلك إن صح عنه إلا بلاغا، وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله. قال ابن عبد البر هذا له حكم المرفوع إذ يستحيل أن يكون مثله رأيا ويحيى بن سعيد بن المسيب أنه كان يقول من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك فإن أذن وأقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال. قال بعضهم هذا لا يقال بالرأي فهو مرفوع. وهذا استدل به السبكي في الحلبيات على حصول فضيلة الجماعة بذلك، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد أورده الحافظ ابن حجر في شرح البخاري في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة وقال مثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى وعكرمة تابعي. وهذا الأثر الذي نحن فيه من ذلك فإنه من أحوال البرزخ التي لا مدخل للرأي والاجتهاد فيها ولا طريق إلى معرفتها إلا بالتوقيف والبلاغ عمن يأتيه الوحي وقد قال ذلك عبيد بن عمير وطاووس وهما من كبار التابعين فيكون حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل وإن ثبتت صحبة عمير بن عمير فحكمه حكم المرفوع المتصل. قال ابن عبد البر في التمهيد في شرح حديث فتنة القبر وسؤاله أحكام الآخرة لا مدخل فيها للقياس والاجتهاد ولا للنظر والاحتجاج والله يفعل ما يشاء لا شريك له. وقال القرطبي في التذكرة هذا الباب ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد انتهى. ويؤيد ما ذكرناه إن هذه الأمور إذا صدرت من التابعين تحمل على الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرجه ابن أبي الدنيا بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي قال كان علي بن حسين يذكر أن العبد إذا احتمل إلى قبره نادى حملته إذا بشر بالنار فيقول يا اخوتاه ما علمتم ما عاينت بعدكم أن أخاكم بشر بالنار فياحسرتاه على ما فرطت في جنب الله أنشد بالله كل ولد أو جار أو صديق أو أخ إلا احتبسني عن قبري فإنه ليس بين صاحبكم وبين النار إلا أن تواروه في التراب والملائكة ينادون امض عدو الله فإذا دنا من حفرته يقول مالي من شفيع مطاع ولا صديق حميم ثم إذا أدخل القبر ضرب ضربة تذعر لها كل دابة غير الجن والإنس. وأما ولى الله إذا احتمل إلى قبره وبشر بالجنة نادى حملته يا اخوتاه أما علمتم أني بشرت بعدكم بالرضا من الله والجنة والنجاة من سخط الله والنار فعجلوا بي إلى حفرتي فيا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين والملائكة ينادون امض ولي الله إلى رب كريم يثبت بالشيء اليسير العظيم الجزيل اللهم اجعلها غدوة أو روحة إلى الجنة فإذا أدخل القبر تلقى بحزمة من ريحان الجنة يجد ريحها كل ذي ريح غير الإنس والجن قال أبو جعفر كان علي بن حسين إذا ذكر أشباه هذا الحديث بكى ثم يقول إني لأخاف الله أن أكتمه ولئن أظهرته ليدخلن عليّ أذى من الفسقة وذلك أن علي بن حسين ذكر حديث الذي ينادي حملته فقال ضمرة بن معبد رجل من بني زهرة والله يا علي بن حسين لو أن الميت يفعل كما زعمت بمناشدتك حملته إذا لوثب عن أيدي الرجال من سريره فضحك أناس من الفسقة وغضب علي بن حسين وقال اللهم إن ضمرة كذب بما جاء به محمد رسولك فخذه أخذ أسف فما لبث ضمرة إلا أربعين ليلة حتى مات فجأة. قال أبو جعفر فاشهد على مسلم ابن شعيب مولاه وكان ما علمناه خيارا أنه أتى علي بن حسين ليلا فقال أشهد أني سمعت ضمرة أعرفه كما كنت أعرف صوته حيا وهو ينادي في قبره ويل طويل لضمرة إلا أن يتبرأ منك كل خليل وحللت في نار الجحيم فيها مبيتك والمقيل فقال علي بن حسين نسأل الله العافية هذا جزاء من ضحك واضحك الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانظر كيف ذكر علي بن حسين الحديث أولا من غير تصريح يعزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم اتكالا على علم ذلك لأنه ليس مما يقال من قبل الرأي. وإنما معتمده التوقيف والسماع ثم لما وقعت هذه القصة صرح بأنه حديث جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالجملة فالحكم على مثل هذا بالرفع من الأمور التي أجمع عليها أهل الحديث. "الوجه الثالث" إذا تقرر أن أثر طاووس حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل وإسناده إلى التابعي صحيح كان حجة عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد مطلقا من غير شرط وأما عند إمامنا الإمام الشافعي رضي الله عنه فإنه يحتج بالمرسل إذا اعتضد بأحد أمور مقررة في محلها منها مجيء آخر أو صحابي يوافقه والاعتضاد ههنا موجود فإنه روى مثله عن مجاهد وعن عبيد بن عمير وهما تابعيان إن لم يكن عبيد صحابيا فهذان مرسلان آخران يعضدان المرسل الأول. قال الترمذي في آخر كتابه حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال قال يحيى بن سعيد مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بن أبي رباح بكثير كان عطاء يأخذ عن كل ضرب قال علي قلت ليحيى مرسلات مجاهد أحب إلي أم مرسلات طاووس قال ما اقر بهما. وأما إذا قلنا بثبوت الصحبة لعبيد بن عمير فإن الحديث يكون مرفوعا متصلا من طريقه وأثر طاووس شاهد قوي له يرقيه إلى مرتبة الصحة. وقد احتج ابن عبد البر بأثر عبيد بن عمير. هذا على ما ذهب إليه من اختصاص السؤال بالمنافق وإن الكافر الصريح لا يسأل ولولا ثبوته عنده وصحته ما احتج به. وقد قال النووي في شرح مسلم الحديث المرسل إذا روى من طريق آخر متصلا تبينا به صحة المرسل وجاز الاحتجاج به ويصير في المسألة حديثان صحيحان. "الوجه الرابع": قوله كانوا يستحبون من باب قول التابعي كانوا يفعلون وفيه قولان لأهل الحديث والأصول أحدهما أنه أيضا من باب المرفوع وأن معناه كان الناس يفعلون ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم به ويقر عليه. والثاني أنه من باب العزو إلى الصحابة دون انتهائه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختلف على هذا هل هو إخبار عن جميع الصحابة فيكون نقلا للإجماع أو عن بعضهم قولان أصحهما في شرح مسلم للنووي. الثاني قال شمس الدين البرشنسي في شرح ألفيته المسماة بالمورد الأصفى في علم الحديث قول التابعي كانوا يفعلون يدل على فعل البعض وقيل يدل على فعل جميع الأمة أو البعض وسكوت الباقين أو فعلوا كلهم على وجه ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره انتهى. وقال الرافعي في شرح المسند مثل هذا اللفظ يراد به إنه كان مشهورا في ذلك العهد من غير نكير فقول طاووس فكانوا يستحبون إن حمل على الرفع كما هو القول الأول كان ذلك من تتمة الحديث المرسل ويكون الحديث اشتمل على أمرين أحدهما أصل اعتقادي وهو فتنة الموتى سبعة أيام. والثاني حكم شرعي فرعي وهو استحباب التصدق والإطعام عليهم مدة تلك الأيام السبعة كما استحب سؤال الثتبيت بعد الدفن ساعة ويكون مجموع الأمرين مرسل الإسناد لإطلاق التابعي له وعدم تسميته الصحابي الذي بلغه ذلك فيكون مقبولا عند من يقبل المرسل مطلقا وعند من يقبله بشرط الأعتضاد لمجيئه عن مجاهد وعن عبيد بن عمير وحينئذ فلا خلاف بين الأئمة في الاحتجاج بهذا المرسل، وإن حملنا قوله فكانوا يستحبون على الأخبار عن جميع الصحابة وأنه نقل للإجماع كما هو القول الثاني فهو متصل لأن طاووسا أدرك كثيرا من الصحابة فأخبر عنهم بالمشاهدة وأخبر عن بقية من لم يدركه منهم بالبلاغ عنهم من الصحابة الذين أدركهم، وإن حملناه على الأخبار عن بعض الصحابة فقط كما هو القول الثالث وهو الأصح كان متصلا عن ذلك البعض الذين أدركهم وحينئذ فالحديث مشتمل على أمرين كما ذكرناه. فأما الثاني فهو متصل كما هو الظاهر. وأما الأول فإما مرسل على ما تقدم تقريره لأنه قول لا يصدر إلا عن صاحب الوحي وقد أطلقه تابعي فيكون مرسلا لحذف الصحابي المبلغ له من السند. وعلى هذا فيكون الأمر الثاني المنقول عن الصحابة أو عن بعضهم عاضدا لذلك المرسل لأن من وجوه اعتضاد المرسل عندنا أن يوافقه فعل صحابي فيكون هذا عاضدا ثالثا بعد العاضدين السابقين وهما قول مجاهد وقول عبيد بن عمير. ويكون الحديث مشتملا على جملة مرفوعة مرسلة وجملة موقوفة متصلة عاضدة لتلك الجملة المرسلة. وإنما أوردهما طاووس كذلك لأن قصده توجيه الحكم الشرعي وهو استحباب الإطعام عن الموتى مدة سبعة أيام فذكر أن سببه ورود فتنتهم في تلك الأيام. ولهذا فرعه عليه بالفاء حيث قال فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام. ونظير هذا الأثر في ذلك ما أخرجه الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان من الزهري قال إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن ماء الوضوء يوزن، أراد الزهري وهو من التابعين تعليل الحكم الشرعي وهو ترك التنشيف بعد الوضوء بسبب لا يؤخذ إلا من الأحاديث المرفوعة لأن وزن ماء الوضوء لا يدرك إلا بتوقيف لأنه من أحوال القيامة. فلما أورد الحديث مورد التعليل أورده مرسلا محذوفا منه الصحابي. وقد قال النووي في آخر شرح مسلم قد عملت الصحابة فمن بعدهم بهذا فيفتى الإنسان منهم بمعنى الحديث عند الحاجة إلى الفتيا دون الرواية ولا يرفعه فإذا كان في وقت آخر رفعه. وقال الرافعي في شرح المسند قد يحتج المحتج ويفتي المفتي بلفظ الحديث ولا يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أثر طاووس أمرا ثانيا وهو اتصال الجملة الأولى أيضا لأن الأخبار عن الصحابة بأنهم كانوا يستحبون الإطعام عن الموتى تلك الأيام السبعة صريح في أن ذلك كان معلوما عندهم وإنهم كانوا يفعلون ذلك لقصد التثبيت عند الفتنة في تلك الأيام وإن كان معلوما عند الصحابة كان ناشئا عن التوقيف كما تقدم تقريره. وحينئذ يكون الحديث من باب المرفوع المتصل لا المرسل لأن الإرسال قد زال وتبين الاتصال بنقل طاووس عن الصحابة. ولهذا قلت في أرجوزتي: إسناده قد صح وهو مرسل * وقد يرى من جهة يتصل لأنه وإن كان مرسلا في الصورة الظاهرة إلا أنه عند التأمل يتبين اتصاله من جهة ما نقله طاووس عن الصحابة من استحباب الإطعام في تلك الأيام المستلزم لكون السبب في ذلك وهو الفتنة فيها كان معلوما عندهم وتبين بذلك السر في إرسال طاووس الحديث وعدم تسمية الصحابي المبلغ له لكونه كان مشهورا إذ ذاك والمبلغون له فيهم كثرة فاستغنى عن تسمية أحد منهم ولأن في استيعاب ذكر من بلغه طولا وإن سمى البعض أو هم الاقتصار عليه إن لم يبلغه إلا ممن سمى فقط وخصوصا على القول بأن هذه الصيغة تحمل على الأخبار عن جميع الأمة فإن ذلك يكون أبلغ في عدم تسمية أحد من المبلغين وعلى كل تقدير فالحديث مقبول ويحتج به لأن الأمر دائر بين أن يكون متصلا وبين أن يكون مرسلا عضده مرسلان آخران وفعل بعض الصحابة أو كلهم أو كل الأمة في ذلك العصر، فهذا تقرير الكلام على قبول الحديث والاحتجاج به من جهة فنى الحديث والأصول والله أعلم. "الوجه الخامس" قال الإمام عبد الجليل بن موسى القصري في شعب الإيمان ونقله عنه الإمام أبو زيد الجزولي في شرح رسالة أبي زيد البرزخ على ثلاثة أقسام مكان وزمان ورجال فالمكان من القبر إلا عليين تعمره أرواح السعداء ومن القبر إلى سجين تعمره أرواح الأشقياء. وأما الزمان فهو مدة بقاء الخلق فيه من أول من مات أو يموت من الجن والإنس إلى يوم يبعثون. وأما الحال فإما منعمة وإما معذبة أو محبوسة حتى تتخلص بالسؤال من الملكين الفتانين انتهى. فقوله أو محبوسة حتى يتخلص من الملكين الفتانين صريح أو ظاهر في أن فتنة القبر تكون في مدة بحيث يمكث محبوسا لأجلها إلى أن يتخلص منها وتلك المدة هي السبعة الأيام الواردة. فهذا تاييد لذلك ويؤيده أيضا ما ذكر الحافظ ابن رجب في كتاب أهوال القبور عن مجاهد قال الأرواح على القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارقه. فهذه آثار يؤيد بعضها بعضا. "الوجه السادس": أطبق العلماء على أن المراد بقوله يفتنون وبفتنة القبر سؤال الملكين منكر ونكير والأحاديث صريحة فيه ولهذا سمى ملكا السؤال الفتانين. وروى البخاري حديث أوحى إليّ أنكم تفتنون في القبور فيقال ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن فيقول هو محمد رسول الله - الحديث، وروى أحمد والبيهقي حديث أما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره ثم يقال له فيم كنت - الحديث. فانظر كيف فسر قوله تفتنون في القبور بسؤال الملكين. وروى أحمد وأبو داود من حديث أنس مرفوعا أن هذه الأمة تبتلى في قبورها وأن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فسأله - الحديث. وروى أحمد والطبراني والبيهقي من طريق أبي الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن هذه الأمة تبتلى في قبورها. فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه جاءه ملك شديد الانتهار فيقول له ما كنت تقول في هذا الرجل - الحديث. وروى ابن أبي داود في البعث والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال قلت يا رسول الله وما منكر ونكير قال فتانا القبر - الحديث. وروى أبو نعيم والبيهقي من مرسل عطاء بن يسار مثله. وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر كيف أنت إذا رأيت منكرا ونكيرا قال وما منكر ونكير قال فتانا القبر - الحديث. وروى البيهقي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بي يفتن أهل القبور وفيه نزلت هذه الآية (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت). وروى أحمد وأبو داود حديث كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمو عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتاني القبر. وروى النسائي حديث أن رجلا قال يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. وروى جويبر من حديث ابن عباس قال شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة رجل من الأنصار فذكر الحديث وفيه سؤال الملكين وقال وهي أشد فتنة تعرض على المؤمن. فهذه الأحاديث مرفوعة صريحة في أن المراد بفتنة القبر سؤال منكر ونكير. وكذا ما رواه أبو نعيم من مرسل ضمرة فتانو القبر ثلاثة أنكر وناكور ورومان. وما رواه ابن الجوزي عنه أيضا مرفوعا فتانو القبر أربعة منكر ونكير وناكور وسيدهم رومان. وأما كلام العلماء فقال ابن الأثير في النهاية في حديث الكسوف أنكم تفتنون في القبور يريد مساءلة منكر ونكير من الفتنة الامتحان والاختبار. وقد كثرت استعاذته من فتنة القبر ومنه الحديث فبي تفتنون وعني تسألون أي تمتحنون بي في قبوركم ويتعرف إيمانكم بنبوتي. وقال النووي في شرح مسلم عند قوله صلى الله عليه وسلم رأيتكم تفتنون في القبور معنى تفتنون تمتحنون فيقال ما علمك بهذا الرجل فيقول المؤمن هو رسول الله ويقول المنافق سمعت الناس يقولون شيئا فقلته هكذا جاء مفسرا في الصحيح. وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في شرح هذا الحديث للفتنة وجوه كثيرة. ومعناها هنا الابتلاء والامتحان والاختبار وكذا قال الباجي وابن رشيق والقرطبي في شروحهم على الموطأ. وقال الإمام أبو محمد بن أبي زيد في الرسالة وإن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت. قال يوسف بن عمر في شرح الرسالة قوله تفتنون أي تختبرون وهو قوله ويسألون وأتى به تفسيرا لقوله تفتنون. وقال الجزولي في شرح الرسالة الفتنة تأتي والمراد بها الكفر وهو قوله تعالى (والفتنة أشد من القتل) وتأتي والمراد بها الاحتراق وهو قوله (يوم هم على النار يفتنون) وتأتي والمراد بها الميل وهو قوله (وإن كادوا ليفتنونك) وتطلق ويراد بها الضلال قال تعالى (إن هي إلا فتنتك) وتطلق ويراد بها المرض قال تعالى (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) وتطلق ويراد بها الاختبار وهو قوله تعالى (وفتناك فتونا) أي اختبرناك قال وهو المراد هنا فيكون قوله تفتنون معناه تختبرون. وقال الإمام علم الدين السخاوي في أرجوزته في أصول الدين: وكلما أتاك عن محمد * صلى عليه الله خذه ترشد من فتنة العباد في القبور * والعرض يوم البعث والنشور قال شارحه فتنة القبور سؤال منكر ونكير. "الوجه السابع" إن قال قائل: لم يرد في سائر الأحاديث تصريح بذكر سبعة أيام، قلنا ولا ورد فيها تصريح بنفيها ولا تعرض لكون الفتنة مرة أو أكثر بل هي مطلقة صادقة بالمرة وبأكثر فإذا ورد ذكر السبعة من طريق مقبول وجب قبوله وكان عند أهل الحديث من باب زيادات الثقات المقبولة وعند أهل الأصول من باب حمل المطلق على المقيد. ونظيره إن أكثر أحاديث السؤال وردت مطلقة وورد في حديثين أن السؤال يعاد عليه في المجلس الواحد ثلاث مرات يحمل ذلك الإطلاق على هذا. والحديثان المشار إليهما أحدهما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي قتادة بسند حسن والآخر أخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عباس بسند ضعيف. ونظيره أيضا أنه ورد في أحاديث مجيء ملكين وفي أحاديث مجيء ملك واحد قال القرطبي لا تنافي بينهما لأن الذي روى مجيء ملك لم يقل في روايته ولا يأتيه غيره وكذلك نقول إن الأحاديث المطلقة لم يقل فيها ولا يفتن سوى يوم واحد ولا قيل ولا يأتيان بعد اليوم الأول فلا تنافي بينها وبين رواية إنهم يفتنون سبعا. "الوجه الثامن": إن قيل إعادة السؤال بعد اليوم الأول هل هو تأسيس أو تأكيد فالجواب أنه تأكيد فما هو إلا سؤال واحد عن ربه ودينه ونبيه وجواب واحد يكرر عليه بعد السؤال والجواب الأول للتأكيد. وقد ورد الحديث بأنهم لا يسألون عن شيء سوى ذلك ونص عليه العلماء. "الوجه التاسع": إن قيل فما الحكمة في التكرير سبعا وهلا اكتفى بالأول فالجواب أولا أن نقول هل ظننت أن المقصود من السؤال علم ما عنده حتى إذا أجاب أول مرة حصل المقصود معاذ الله لا يظن ذلك عاقل قد علم الله ما هو عليه قبل السؤال بل وعلم ذلك الملكان أيضا ولذا ورد في الصحيح أنهما يقولان له إذا أجاب نم صالحا فقد علمنا إن كنت لمؤمنا. وإنما المقصود من السؤال أمور أحدها إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته وخصوصية ومزيته على سائر الأنبياء فإن سؤال القبر إنما جعل تعظيما له وخصوصيته شرف بأن الميت يسأل عنه في قبره ولم يعط ذلك نبي قبله كما قال صلى الله عليه وسلم فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون الحديث، وأخرجه أحمد والبيهقي من حديث عائشة بسند صحيح قال الحكيم الترمذي سؤال القبور خاص بهذه الأمة لأن الأمم قبلها كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبوا كفت الرسل واعتزلوهم وعولجوا بالعذاب فلما بعث الله سبحانه وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بالرحمة أمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف ثم يرسخ الإيمان في قلبه فمن هذا ظهر النفاق فكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان فكانوا بين المسلمين في ستر فلما ماتوا قيض الله لهم فتأنى القبر ليستخرج سرهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب. الثاني: قال الحليمي من أصحابنا في شعب الإيمان لعل المعنى في السؤال والله أعلم أن الميت قد حول من ظهر الأرض إلى بطنها الذي هو الطريق إلى الهاوية فيجيء هناك ويوقف ويسأل فإن كان من الأبرار عرجت الملائكة بنفسه وروحه إلى عليين وهو نظير إيقافه في المحشر على شفير جهنم واستعراض عمله حتى إذا وجد من الأبرار أجيز على الصراط وإن كان من الفجار ألقي في النار انتهى كلام الحليمي. الثالث: قال بعضهم جعلت فتنة القبر تكرمة للمؤمن وإظهارا لإيمانه وتمحيصا لذنوبه. وقال بعض العلماء من فعل سيئة فإن عقوبتها تدفع عنه بعشرة أشياء أن يتوب فيتاب عليه. أو يستغفر فيغفر له. أو يعمل حسنات فتمحوها فأن الحسنات يذهبن السيئات. أو يبتلى في الدنيا بمصائب فتكفر عنه. أو في البرزخ بالضغطة والفتنة فتكفر عنه أو يدعو له إخوانه من المؤمنين ويستغفرون له أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه. أو يبتلى في عرصات القيامة بأهوال تكفر عنه. أو تدركه شفاعة نبيه. أو رحمة ربه.انتهى. الرابع: قال عبد الجليل القصري في شعب الإيمان المعنى في سؤال الملكين الفتانين في القبر إن الخلق في التزام الشرائع وقبول الإيمان لا بد لهم من الاختبار لأمر الله ومن النظر فيه وفي أمر الرسل وما جاءت به وهو المعبر عنه بأول الواجبات عند عرض الشرائع على العقول فيعتقد كل أحد في قلبه وسره على حسب ما قدر له حين تعترضهم أفكار النظر والفكر فيما جاءت به الرسل من أمور الغيب فمن بين منكر جاحد أو شاك مرتاب ومن بين مؤمن مصدق وموقن مطمئن ثابت. هذه حال الكل مدة الدنيا من أول ما وجبت عليهم الواجبات إلى حين الموت فلما حصل الخلق في الآخرة فتنوا بالجزاء عن عقائدهم وأحوالهم جزاء وفاقا. ولذلك يقول الملكان للمسئول قد علمنا أن كنت لمؤمنا ولا دريت ولا تليت وعلى الشك حييت وعليه مت، على حسب اختلاف أسرار الخلق في الدنيا ثم بعد ذلك يفتح لكل أحد باب إلى الجنة وباب إلى النار وينظر إلى مقعده منهما. ومعنى ذلك أن الرسل جاءت من عند الله وفتحت للعقول أبواب دين الإسلام حين عرضته على العقول وحين وجوب الواجبات وأمرت بالدخول فيه وأمرت بالتزام الطاعات وترك المعاصي وذكرت للعقول أن من التزم الطاعات جوزي بالجنة ودخلها. ومن أعرض وأبى وقع في الكفر ودخل النار فمن بين داخل مفتوح له بدخوله في الإسلام والشرائع ومن بين خارج نافر .فيقال للعبد ذلك الوقت هذا مقعدك من الجنة أو النار أبدلك الله به مقعدا من النار أو الجنة كما صنع هو بنفسه في دار الدنيا فافهم . "الخامس": قال الباجي في شرح الموطأ ليس الاختبار في القبر بمنزلة التكليف والعبادة وإنما معناه إظهار العمل وإعلام بالمآل والعاقبة كاختبار الحساب لأن العمل والتكليف قد انقطع بالموت قال مالك من مات فقد انقطع عمله وفتنة الرجل لمعنى التكليف والتعبد لكنه شبهها بها لصعوبتها وعظم المحنة بها وقلة الثبات معها انتهى. إذا عرفت المقصود من السؤال عرفت منه حكمة التكرير أما على المعنى الأول فلأن التكرير أبلغ في إظهار شرف المصطفى وخصوصيته ومكانته وأما على المعنى الثاني فلأن ذلك هو وقت العروج بالروح إلى عليين والجنة كما قال صلى الله عليه وسلم غالية لا تدرك بالهوينا ولهذا جعل الصراط الذي هو أحد من السيف وأدق من الشعر طريقا إلى وصول الإنسان إليها ببدنه ولا شك في شدة ذلك الطريق فجعل عوضه لوصول الروح إليها تكرير الفتنة سبعة أيام ولهذا جعله الحليمي نظيرا لإيقاف على الصراط. وأما على المعنى الثالث فواضح لأنه قد يكون على المؤمن من صغائر الذنوب ما يقتضي التشديد عليه بذلك وهو رحمة من الله في حقه حيث اكتفى منه بذلك وكفر عنه به ولو شاء لانتقم منه بعذاب القبر الذي هو أشد من السؤال بكثير ولكنه لطف بعباده المؤمنين فكفر عنهم الصغائر بمقاساة أهوال السؤال ونحوه وخص عذاب القبر بالكبائر ونظيره في الأحكام الشرعية من وجب عليه تعزير فصولح من العقوبة على الأغلاظ في القول والانتهار رحمة له ورفقا به أو لكونه من ذوي الهيئات الذين يكتفي في تعزيرهم بمثل ذلك. وقد ورد الحديث أن فتنة القبر أشد فتنة تعرض على الموقن فمن تمام شدتها تكريرها سبعة أيام. "الوجه العاشر": إن قيل فما الحكمة في هذا العدد بخصوصه. فالجواب أن السبع والثلاث لهما نظر في الشرع فما أريد تكريره فإنه يكرر في الغالب ثلاثا فإذا أريد المبالغة في تكريره كرر سبعا. ولهذا كررت الطهارة في الوضوء والغسل ثلاثا. ولما أريد المبالغة في طهارة النجاسة الكلبية كررت سبعا فلما كانت هذه الفتنة أشد فتنة تعرض على المؤمن جعل تكريرها سبعا لأنه أشد نوعي التكرير وأبلغه. وفيه مناسبة ثانية وهي أن استعراض الأعمال على الصراط يكون على سبع عقبات ويروى على سبع قناطر. وقد تقدم عن الحليمي أنه جعل سؤال القبر نظير إيقافه على الصراط فكان السؤال في القبر في سبعة أيام على نمط السؤال على الصراط في سبعة أمكنة. ومناسبة ثالثة: وهي أن الغالب الوقوع في الأحكام الشرعية يكون ثلاثا والنادر الوقوع يكون سبعا ولهذا كانت غسلات الوضوء والغسل وتسبيحات الركوع والسجود ونحو ذلك ثلاثا وأشواط الطواف والسعي وتكبيرات الركعة الأولى من صلاة العيدين والاستسقاء سبعا فلما كان السؤال لا يقع في الدهر للإنسان إلا نوبة واحدة كرر سبعا. ومناسبة رابعة: وهي أن أيام الأسبوع سبعة ولا ثامن للأيام في الدنيا بل ولا في الآخرة وقد ورد الحديث أن أيام الأسبوع تشهد للإنسان بما عمل فيها من خير وتشهد عليه بما عمل فيها من شر فناسب أن يسأل أول ما ينزل قبره مدة الأيام السبعة الشاهدة له وعليه. ومناسبة خامسة: وهي أن السؤال يعقبه الخلاص من الهوى إلى سجين وذلك تحت سبع أرضين والعروج إلى عليين وذلك فوق سبع سموات فناسب أن يسأل سبعة أيام ليكون كل يوم في مقابلة خلاص من أرض وعروج إلى سماء. ومناسبة سادسة: وهي أن الحديث ورد أن مدة الدنيا كلها جمعة من جمع الآخرة وذلك سبعة آلاف سنة لأن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون. فناسب أن يكون السؤال الموصل للجنة مدة جمعة من جمع الدنيا وذلك سبعة أيام. ومناسبة سابعة: وهي أن السؤال إذا أحسن الجواب عنه ثبت إيمانه وخلص بذلك من أن يكون من أهل جهنم وهي سبع طبقات لها سبعة أبواب فناسب أن يسأل سبعا ليكون كل يوم في مقابلة الخلاص من طبقة وباب فهذه سبع مناسبات في السبعة. والسبع المعتبرة في الشرع والخلق كثيرة جدا. وقد استدل ابن عباس على أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين بأن الله جعل السماوات سبعا والأرض سبعا والطواف سبعا والسعي سبعا وخلق الإنسان من سبع وما أنبتت الأرض سبع. وورد في أثر إن الإنسان يميز في سبع ثم يحتلم في سبع ثم يكمل طوره في سبع ثم يكمل عقله في سبع. فظهر مناسبة اعتبار هذا العدد بخصوصه وقد قلت في ذلك أبياتا: في عام سبع أتى سبع المنية إذ * من بعد سبع وسبع كان قد غبرا إذ مر من أشهر القبطي سبع ربى * لبرهمات الذي بالطعن قد شهرا وشاع في هذه الأيام مسألة * النقل عني فيها في الورى أثرا بأن ميت هذا الخلق يسأل في * سبع من الدهر مهما غاب أو قبرا فثار فيها هرير من أولى سفه * فجاءهم أي سبع في الوغى كسرا أبديت في حكمة الأعداد مبتكرا * من التناسب سبعا أنجما زهرا يا رب من سبع نيران أجرني بالسبع المثاني وجد بالعفو مقتدرا أخرج الحكيم الترمذي بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال في القبر حساب وفي الآخرة حساب فمن حوسب في القبر نجا ومن حوسب في القيامة عذب. وقال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن محمد بن المنتشر عن ابن حراش عن حذيفة بن اليمان قال إن في القبر حسابا ويوم القيامة عذابا. قال الحكيم الترمذي إنما يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف فيمحص في البرزخ ليخرج من القبر وقد اقتص منه انتهى. وهذا وإن كان صورته صورة الموقوف على حذيفة فإن حكمه حكم المرفوع كما تقدم تقريره وشاهده ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره. وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر، وأخرج البيهقي في كتاب عذاب القبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن عذاب القبر من ثلاثة من الغيبة والنميمة والبول فإياكم وذلك. وله شواهد كثيرة قال ابن رجب قد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة والغيبة بعذاب القبر. وهو أن القبر أول منازل الآخرة وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب. والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان حق لله وحق لعباده وأول ما يقضي فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد الدماء. وأما البرزخ فيقضي فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث ومقدمة الدماء النميمة والوقيعة في الأعراض وهما أيسر أنواع الأذى فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما انتهى. قال ابن رجب وروى ابن عجلان عن عون بن عبد الله قال يقال إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه فإن جازت له صلاته نظر فيما سوى ذلك من عمله وإن لم يجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد. مسألة: إن قيل مقتضى كون الفتنة سبعة أيام مشروعية التلقين في الأيام السبعة. فالجواب لا أما أولا فلأن التلقين لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن بل حديثه ضعيف باتفاق المحدثين ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة. وآخر من أفتى بذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام وإنما استحبه ابن الصلاح وتبعه النووي نظرا إلى أن الحديث الضعيف يتسامح به في فضائل الأعمال. وثانيا أن هذه أمور توقيفية لا مدخل للرأي فيها ولم يرد التلقين إلا ساعة الدفن خاصة. وورد في سائر الأيام الإطعام فاتبع الوارد في ذلك. فإن قلت هل يظهر لاختصاص التلقين باليوم الأول من حكمة. قلت: ظهر لي حكمتان: الأولى أن المخاطب بذلك من حضر الدفن من المؤمنين الشفعاء وذلك إنما يكون في اليوم الأول لأن الشرع لم يرد بتكليف الناس المشي مع الميت إلى قبره إلا لدفنه خاصة ولم يكلفهم التردد إلى قبره بعد ذلك فلم يشرع التلقين في سائر الأيام لما في تكليفهم التردد إليه طول الأسبوع من المشقة فاقتصر على ساعة الدفن. الثانية: أن كل مبتدأ صعب وأول نزوله قبره ساعة لم يتقدم له مثلها قط فأنس بالتلقين وسؤال التثبيت فإذا اعتاد بالسؤال أول يوم وألفه سهل عليه بقية الأيام فلم يحتج إليه وشرع الإطعام لأنه قد يكون له ذنوب يحتاج إلى ما يكفرها من صدقة ونحوها فكان في الصدقة عنه معونة له على تخفيف الذنوب ليخفف عنه هول السؤال وصعوبة خطاب الملكين وأغلاظهما وانتهارهما. مسألة: لم يرد تصريح ببيان الوقت الذي يجيء فيه الملكان في سائر الأيام وإنما ورد أنهما يأتيانه في اليوم الأول إذا انصرف الناس من دفنه، وقد يؤخذ من قول عبيد بن عمير يفتن المؤمن سبعا والكافر أربعين صباحا إنهما يأتيان في سائر الأيام أول النهار وقد يكون أراد بقوله أربعين صباحا أربعين يوما كما جرت عادتهم بذلك أن يكنوا عن اليوم بالصباح إطلاقا للجزء وإرادة للكل فلا يكون فيه دلالة على مجيئهما أول النهار. ويحتمل أن يأتيا في سائر الأيام في مثل الساعة التي جاء فيها أول يوم دفن والعلم في ذلك عند الله تعالى. وإذا كنا لم نعلم وقت مجيئهما من النهار لكون ذلك من المغيبات التي لا اطلاع لأحد عليها إلا بتوقيف من صاحب الوحي ولا طريق إلى الاستدلال عليها بالنظر فكيف يظن أن أخبار طاووس وغيره بوقوع الفتنة سبعة أيام صدر عنهم من غير توقيف أو سماع أو بلاغ ممن فوقهم عمن يأتيه الوحي حاشا وكلا لا يظن ذلك من له أدنى تمييز. الجواب: ورد في أحاديث السؤال المطلقة أن الملكين يعيدان عليه السؤال ثلاث مرات في المجلس كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ولم يرد في حديث الأيام السبعة تصريح بمثل ذلك فيحتمل جريان ذلك كل يوم بناء على أن الأحاديث المتعددة إذا كان في كل واحد منها إطلاق من وجه وتقييد من وجه تقيد إطلاق كل حديث بتقييد الآخر كما هو قاعدة الأصول وهذا منه. مسألة: قال قائل في حديث البخاري إنه يقال له عقب السؤال نم صالحا فدل على أنه لا شيء بعده. والجواب أن هذا كلام من لم يتسع نظره في الحديث ولا اطلع على مصطلحات العلماء المتكلمين على الأحاديث حيث يجمعون طرق الأحاديث كلها ورواياته ويضمون بعضها إلى بعض ويأخذون من كل حديث ما فيه من فائدة زائدة ويقولون فيما خلا من تلك الزيادة هذا حديث مختصر ورد في غيره زيادة عليه والحديث الذي في البخاري لفظه عن أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه قد أوحى إلي أنكم تفتنون في القبور فيقال ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن فيقول هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا فيقال نم صالحا قد علمنا إن كنت لمؤمنا وأما المنافق أو المرتاب فيقول ما أدرى سمعت الناس يقولون شيئا فقلنه، هذا لفظ البخاري من غير زيادة عليه وهو أخصر حديث ورد في السؤال. وقد ورد سواه أحاديث مطولة صحيحة فيها زيادات كثيرة اعتمدها الناس ولا يسعهم إلا اعتمادها فإن أخذ هذا الرجل بهذا الحديث فقط وترك ما سواه لزمه رد ما ثبت في الأحاديث الصحيحة ولا يقع في ذلك عاقل من ذلك إنه لم يذكر في هذا الحديث السؤال عن ربه ودينه وهو ثابت في غيره وإن المؤمن يقول في الجواب ربي الله وديني الإسلام. ومن ذلك أنه لم يسم فيه الملكان بمنكر ونكير وهو ثابت في حديث الترمذي. وقد أطبق أهل السنة على اعتباره ولم يخالف فيه إلا المعتزلة فقالوا لا يجوز أن تسمى الملائكة بمنكر ونكير ولم يلتفت أهل السنة إلى قولهم اعتمادا على ما جاء في بعض طرق الحديث إلى غير ذلك من الزيادات الواقعة في أحاديث السؤال على كثرتها فإنها أكثر من سبعين حديثا ما من حديث منها إلا وفيه زيادة ليست في غيره فمن لم يقف إلا على حديث واحد من سبعين حديثا حقه أن يسكت مع الساكتين ولا يقدم على رد الأحاديث وإلغائها، وتأويل حديث البخاري أنه يقال له نم صالحا عند آخر جواب يجيب به في آخر يوم يسأل فيه وذلك من المحذوفات المطوي ذكرها في الحديث كسائر ما حذف منه. وما أحسن ما وقع للحافظ أبي عمر بن عبد البر حيث تكلم على الحديث في الموطأ وغيره أن جبريل لم يصل في وقت فرض الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس إلا مرة واحدة فقال والجواب عن ذلك أنه قد ثبت إمامة جبريل لوقتين. وقوله ما بين هذين وقت وهذه زيادة يجب قبولها والعمل بها لنقل العدول لها وليس ترك الإتيان بذلك بحجة وإنما الحجة في شهادة من شهد لا في رواية من أجمل واختصر. انتهى كلام ابن عبد البر. ووقع له أيضا أنه تكلم على حديث ثم روى من طرق مرسلة زيادة عليه ثم قال ومراسيل مثل هؤلاء عند مالك حجة وهو خلاف ظاهر حديث الموطأ وحديث هؤلاء بالصواب أولى لأنهم زادوا وأوضحوا وفسروا ما أجمله غيرهم وأهمله. هذه عبارته. وقال القرطبي في شرح مسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صومه وقيامه هذا الحديث اشتهر وكثرت رواته فكثر اختلافه حتى ظن من لا بصيرة عنده أنه مضطرب وليس كذلك فإنه إذا تتبع اختلافه وضم بعضه إلى بعض انتظمت صورته وتناسب مساقه إذ ليس فيه اختلاف تناقض ولا تهاتر بل يرجع اختلافه إلى أن بعضهم ذكر ما سكت عنه غيره وفصل بعض ما أجمله غيره انتهى. ولا شك في أنه لا منافاة بين حديث السبعة وحديث البخاري فإنه يجمع بينهما بأن معنى حديث البخاري قد أوحى إلي أنكم تفتنون في القبور فيقال ما علمك إلى آخره إن ذلك يقع في سبعة أيام لأنه لفظ مطلق صادق بالمرة وبأكثر. فإذا روى الثقة إن ذلك يقع سبعا وجب قبوله وحمل آخر الحديث وهو قوله نم صالحا على أن ذلك يقع عند انتهاء الفتنة وذلك بآخر يوم منها. ولنختم الكتاب بلطائف: الأولى: إن سنة الإطعام سبعة أيام بلغني أنها مستمرة إلى الآن بمكة والمدينة فالظاهر أنها لم تترك من عهد الصحابة إلى الآن وإنهم أخذوها خلفا عن سلف إلى الصدر الأول. في التواريخ كثيرا في تراجم الأئمة يقولون وأقام الناس على قبره سبعة أيام يقرؤون القرآن. واخرج الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في كتابه المسمى تبيين كذب المفتري فيما نسب ٍإلى الإمام أبي الحسن الأشعري سمعت الشيخ الفقيه أبا الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي يقول توفي الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي في يوم الثلاثاء التاسع من المحرم سنة تسعين و أربعمائة بدمشق وأقمنا على قبره سبع ليال نقرأ كل ليلة عشرين ختمة. الثالثة:قد عرف أنه يستثنى جماعة لا يسألون أصلا كالصديق والشهيد والمرابط ومن ألحق بهم. ومن اللطائف في ذلك ما أورده الجزولي من أئمة المالكية في شرح الرسالة قال روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن منكرا ونكيرا ينزلان بالميت في قبره وهما فظان غليظان أسودان أزرقان يطان في شعورهما وينتحتان الأرض بأنيابهما يمشيان في الأرض كما يمشي أحدكم في الضباب بيد كل واحد منهما مرزبة من حديد لو وضعت على أعلى جبل في الدنيا لذاب كما يذوب الرصاص فيسألانه فقال له عمرو أنا كما أنا الآن قال نعم فقال إذن والله أخاصمهما فرآه ابنه عبد الله بعد موته فقال له ما كان منك فقال له أتاني الملكان فقالا لي من ربك ومن نبيك فقلت ربي الله ونبي محمد وأنتما من ربكما فنظر أحدهما إلى الآخر فقال إنه عمر فوليا عني. قال الجزولي ومثله يروي عن أبي المعالي أنهما وقفا عليه وهابا أن يكلماه فقال لهما ما شأنكما أنتما ملكا ربي أفنيت في ذكره عمري وبسرت لنصرته فما عسى أن تقولا وقد امتلأت الدنيا بأقوالي وسميت فيها أبا المعالي فقالا قد علمنا أنك أبو المعالي نم هنيئا ولا تبالي. قلت أبو المعالي هو إمام الحرمين وهذا الذي وقع له من بركة العلم فلو لم يكن من بركة العلم إلا هذا الاكرام لكان فيه كفاية، ويشبه هذا ما أخرجه الحافظ أبو الطاهر السلفي في الطيوريات عن سهل بن عمار قال رأيت يزيد بن هرون في المنام بعد موته فقلت ما فعل الله بك قال أتاني في قبري ملكان فظان غليظان فقالا من ربك وما دينك ومن نبيك فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت لمثلي يقال هذا وقد علمت الناس جوابكما ثمانين سنة فذهبا. وقال الحافظ أبو القاسم اللالكائي في السنة أخبرنا محمد بن المظفر بن حرب ثنا إبراهيم بن محمد بن عثمان النيسابوري قال سمعت أحمد بن محمد الحيري المزكي يقول حدثني عبد الله بن الحرث الصنعاني قال سمعت حوثرة بن محمد المنقري البصري يقول رأيت يزيد بن هرون الواسطي في المنام بعد موته بأربع ليال فقلت ما فعل الله بك فقال تقبل مني الحسنات وتجاوز عن السيئات ووهب لي التبعات. قلت:وما كان بعد ذلك قال وهل يكون من الكريم إلا الكرم غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة قلت فبم نلت الذي نلت قال بمجالس الذكر وقول الحق وصدقي في الحديث وطول قيامي في الصلاة وصبري على الفقر.قلت ومنكر ونكير حق قال إي والله الذي لا إله إلا هو لقد أقعداني وسألاني وقالا لي من ربك وما دينك ومن نبيك فجعلت أنفض لحيتي البيضاء من التراب فقلت مثلي يسأل أنا يزيد بن هرون الواسطى وكنت في دار الدنيا ستين سنة أعلم الناس فقال أحدهما صدق هو يزيد بن هرون نم نومة العروس فلا روعة عليك بعد اليوم. وقال الحافظ أبو طاهر السلفي في انتخابه لحديث الفراء: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسين الفراء أنا أبو زكريا عبد الرحيم ابن أحمد بن نصر البخاري الحافظ ثنا القاضي أبو الحسن محمد بن إسحاق الملحمي ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن كثير بن بنت يزيد بن هرون قال رأيت جدي يزيد بن هرون في النوم فقلت له يا جدي كيف رأيت منكرا ونكيرا فقال يا بني جاآني فأجلساني في قبري وقالا لي من ربك فقلت لهما ألي يقال هذا وقد كنت أعلم الناس الدين منذ ثمانين سنة. "الثالثة": عجبت ممن استغرب سؤال الميت سبعة أيام وقد صرح الغزالي بما هو أعظم من ذلك ذكر الشيخ تاج الذين السبكي في الطبقات الوسطى في ترجمة الشيخ أبي الفتوح أخي الغزالي أنه حكى يوما على رأس منبره قال سمعت أخي حجة الإسلام قدس الله روحه يقول إن الميت من حين يوضع على النعش يوقف في أربعين موقفا يسائله ربه عز وجل قال السبكي فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخير بمنه وكرمه."الرابعة": أخرج ابن سعد في الطبقات من طريق ليث عن طاووس قال ما تعلمت فتعلمت لنفسك فان الناس قد ذهبت منهم الأمانة قال وكان يعد الحديث حرفا حرفا. وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق ليث قال قال لي طاووس ما تعلمت فتعلمه لنفسك فان الأمانة والصدق قد ذهبا من الناس. وقال أبو محمد عبيد الله بن محمد بن علي بن راشد قال سمعت أبا الربيع العتكي يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول إني أخذت من كل طير ريشة ومن كل ثوب خرقة قال وسمعت سفيان بن عيينة يقول لأصحاب الحديث إني لأحرم جلسائي الحديث الغريب لموضع رجل واحد ثقيل.
مسألة: هل يمر إبليس وكفار الإنس والجن على الصراط. الجواب: صرح ابن برجان في الإرشاد بأن الكفار لا يمرون على الصراط، وفي الأحاديث ما يشهد له وفي أحاديث أخر ما يقتضي خلاف ذلك واتهم يمرون فحملت ذلك على المنافقين لكون بعض الروايات فيها ما يدل على ذلك، ثم رأيت القرطبي صرح بأن في الآخرة صراطين صراط لعموم الخلق إلا من يدخل الجنة بغير حساب ومن يلتقطهم عنق النار وصراط للمؤمنين خاصة وهذا جمع حسن وعرف منه أن من يلتقطهم عنق النار وهم طوائف مخصوصة من الكفار لا يمرون على الصراط أصلا وكذلك بعث النار الذي يخرج من الخلق إليها قبل نصب الصراط دلت الأحاديث على أنهم لا يمرون على الصراط أصلا وهم طوائف من الكفار. والظاهر أنه لا يمر على الصراط من الكفار إلا المنافقون وأهل الكتابين اليهود والنصارى فان هؤلاء الفرق الثلاث ورد في الحديث أنهم يحملون عليه فيسقطون منه في النار. وكذلك من ينصب له الميزان من الكفار وهم طائفة مخصوصة منهم يمرون عليه فيحضروا وزنهم فإن الميزان إنما هو على الصراط. هذا ملخص القول في ذلك وبسطه في كتابنا المسمى بالبدور السافرة في أمور الآخرة والله أعلم. مسألة: قوله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس حفاة عراة هل هو على عمومه بدليل قوله فيكون أول من يكسى إبراهيم أو هو مخصوص بغير الأنبياء. الجواب: هو مخصوص وليس على عمومه فقد نص البيهقي على أن بعض الناس يحشر عاريا وبعضهم يحشر في أكفانه وحمل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يبعث الميت في ثيابه التي يموت فيها رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وقول معاذ ابن جبل أحسنوا أكفان موتاكم فان الناس يحشرون في أكفانهم رواه ابن أبي الدنيا. وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر بن الخطاب مثله وهذان الموقوفان لهما حكم الرفع. ونص القرطبي على أن حديث الحشر عراة مخصوص بغير الشهداء وأن حديث أبي داود ونحوه في الشهداء. وأخرج الدينوري في المجالسة عن الحسن قال يحشر الناس كلهم عراة ما خلا أهل الزهد. وإذا خص من الحديث الشهداء أو أهل الزهد فالأنبياء من باب أولى. مسألة: أحاديث الحشر عراة عارضها أحاديث أخر صرح فيها بأن الناس يحشرون في أكفانهم. واختلف العلماء في ذلك فمنهم من سلك مسلك الترجيح فرجح أحاديث الحشر في الأكفان على أحاديث الحشر عراة وهذا رأي القليل. والأكثرون سلكوا مسلك الجمع فجمعوا بين الأحاديث بأن أحاديث الحشر في الأكفان خاصة بالشهداء وأحاديث الحشر عراة في غيرهم. هكذا نقله القرطبي وجمع البيهقي بأن بعض الناس يحشر عاريا وبعضهم يحشر في أكفانه ولم يعين شهداء ولا غيرهم. ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه البيهقي عن أبي ذر قال حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود والترمذي ومن حديث معاوية بن حيدة أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وفي المجالسة للدينوري عن الحسن قال يحشر الناس كلهم عراة ما خلا أهل الزهد وهذا له حكم المرفوع المرسل مسألة: سألتكمو رجال العلم عما * بدالي حيث لا علم بذاكا هل الإيمان يوزن يوم الحشر * بميزان وإلا ليس ذاكا فإن قلتم بوزن هل تقولوا * مع الحسنات أو ضد لذا كا وإن قلتم مع الحسنات يبقي * بأن لا وزن مع شيء يحاكا ويرجح بعد ذاك بسيئات * فلا للنار داخلة هنا كا من أهل الحق والتوحيد نفس * فسبحان اللطيف بنا هنا كا أوزن مطلقا أولا تقولوا * بهذا انتم أهل لذاكا أجيبوا العبد فهو لكم محب * وفضلكم بمصر لا يحاكى فلا زلت لمعضلة تحلوا * وفي الجنات مأواكم هناكا الجواب: لرب العرش حمدا لا يحاكى * وأشكره وما أولى بذاكا وللمختار تسليم ثناه * كعرف الزهر ينبت في رباكا لقد نص الحكيم الترمذي في * نوادره التي حسنت حباكا وعنه حكاه نقلا قرطبي * بتذكرة تنمقها حياكا بأن الوزن مختص بحشر * بأعمال فتنسلك انسلاكا وما الإيمان موزونا فان الموازن حاله ضد هناكا أيجمع واحد كفرا وضدا * ليتزنا محال فرض ذاكا وفي خبر البطاقة جاء وزن * لتوحيد وأخبار كذاكا فأولها بندب في ادكار * فحقا أعظم الحسنات ذاكا ومن يقصد لبسط في اتزان * ففي تأليف بعث لي دراكا وناظمه ابن الاسيوطي أبدي * جوابا لم يغادره مساكا بنظم ناسج منوال حسن * على نسق يحاك ولا يحاكى مسألة: ما قول حبر بحر أفكاره * أبدي عجيبا عم في عصره وفاض منه أنهرا بالهدى * في سائر الأقطار من دره تأليفه صاغ لنا عسجدا * عاطره قد ضاع في نشره حكى لنظم الدر في جيزه * وحاز حسن السبك في نثره في الطفل إن مات صغيرا فهل * يحشر في الأخرى على عمره وفي جنان الخلد يبقى كذا * أو بعد حشر زيد في قدره وهل له في الحور من زوجة * ينكحها ما القول في أمره وأمر ولدان حكاهم لنا * رب العلا الرحمن في ذكره أمن بني آدم أم خلقهم * كالحور يا من فاق في دهره لكم علوم أعجزت من مضى * ومن بقي قد صار في فكره وسلموا أن الذي نلتمو * منحة رب العرش من سره يثيبكم جناته مثل ما * بذلتم الاجهاد في نصره الجواب: الحمد الله على يسره * وأشكر الهادي على نشره الطفل يأتي مثل ما قد مضى * في خلقه والقدر في حشره وعند ما يدخل جناته * يزداد كالبالغ في قدره وكم له في الخلد من زوجة * من بشر والحور في قصره والحور والولدان جنس سوى * ليسوا بني آدم فاستقره
|